«هند أو أجمل امرأة في العالم»: عن الجمال المفقود والوطن المشوّه


هند أو هنادي. فتاة وُصفت يومًا بأنها الأجمل في العالم، قبل أن يختار المرض جسدها ليصوغ له ملامح أخرى. تضخم الأطراف، الآكروميجالي، المرض الذي يجعل الجسد غريبًا عن نفسه، غريبًا عن المرآة. لم تحتمل أمها النظر إليها، فحبستها في علية البيت. لا معجزات في هذه الرواية، ولا حبكة متماسكة على الطريقة التقليدية. إنها حكاية تُروى ببطء، عبر مونولوج طويل. هنادي تحكي عن أمها، عن الحب الذي يشبه الخسارة، عن الحرب التي لا تنتهي، عن المسرات الصغيرة، السكينة العابرة. مونولوج متناقض، متشظٍ، لكنه حقيقي، مثل وجوهنا جميعًا، مثل مدننا التي تأكل نفسها من الداخل.

هنادي تصف جسدها وهو يتعطّل ببطء، بلا مرثيات. كأنها تتحدث عن وطن بأكمله يتداعى أمام عينيها. الخاص يذوب في العام: جسد يتشوه، مدينة تنهار، ذاكرة تتفتت. الأم، التي تقدّس الجمال وتغني له، قررت أن تنكر ما حدث. أن تدفن الحقيقة في العلية. لم تحتمل مواجهة مرض ابنتها الأجمل في العالم، فواجهته بالإنكار. حتى حين عادت هنادي إلى بيتها بعد سنوات، واكتشفت أن أمها تحتفظ بقصاصات صحف عن أناس أصابهم المرض نفسه، أدركت أن الإنكار لم يكن جهلًا، بل اختيارًا: خيار أن نكذب على أنفسنا بدل أن نعترف بالندبة.

بالنسبة لي، هنادي ومرضها ليسا سوى استعارة عن مدننا التي شوهتها الحروب، عن إصرارنا نحن على التمسك بصورة قديمة لوطن لم يعد يشبهنا، عن إنكارنا للمصير الذي صار واقعًا. ربما بعد الاعتراف وحده يمكن أن نتحرر.

«هند أو أجمل امرأة في العالم» ليست رواية عن فقدان الجمال فحسب. إنها رواية عن الخيانة: خيانة المجتمع لأفراده، خيانة الوطن لأبنائه، وخيانة المرآة لصورتها القديمة. عبر هنادي، تكتب هدى بركات نصًا عن الوهم، عن أسطورة الجمال، الجمال كقيد، كأداة للهيمنة، لا كخلاص. وبركات، بلغتها التي تمزج الاعتراف بالشعر، تجعلنا نواجه المرآة وجهًا لوجه: ما نراه ليس موت الجسد فقط، بل موت الحلم، والندبة التي لن تُمحى.

اسطنبول- ٢٠-أيلول-٢٠٢٥


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *